الرسالة الأولى
بعد ستة عشر عاماً على إحداثها بالمرسوم رقم 25 لعام 2002، أثبتت الجامعة الافتراضية السورية أنها لم تكن ولن تكون جامعةً تقليديةً لا بفكرتها ولا بمنظومتها التعليمية ولا بآليات عملها ولا حتى بالفكر الذي يقف وراء إحداثها ودعمها وتطورها.
هي الجامعة الحكومية السورية التي واكبت منذ بدايتها روح العصر في مفهوم التعليم بنموذجه الحديث القائم على التعلم وعلى المرونة الأكاديمية وعلى المساقات المتعددة المختلطة وعلى تمازج الاختصاصات وترقية الشهادات وتنوع المدخلات ودمج المعرفة بالمهارة.
هي الجامعة الحكومية التي سعت لتعزيز نشر المعرفة على أوسع نطاق من خلال تطبيقها الفعلي لشعارها (اعبر حدود الزمان والمكان)، ومن خلال تحصيل أقساط دراسية موضوعية سمحت لشريحةٍ واسعةٍ من السوريين بضمان تحصيلهم العلمي، وضمنت للجامعة استقلالها المالي الذي ساعدها في تمويل عملها ونشاطها دون أن تكون عبئاً على خزينة الدولة السورية.
هي الجامعة الحكومية التي احتضنت منذ نشأتها مفهوم التعلم مدى الحياة فأفسحت المجال للكثير من السوريين بمتابعة دراستهم بعد انقطاعٍ أو توقف، وسمحت لآخرين بمتابعة دراستهم فيها إلى جانب دراستهم في جامعات واختصاصات أخرى لتحصيل معارف ومهارات متعددة، وفتحت الباب أمام شريحةٍ ثالثة من السوريين لمتابعة دراستهم وعملهم بآنٍ واحد، إضافةً إلى إطلاقها لمركز التعلم مدى الحياة الذي أصبح مع الوقت من أوائل مراكز التأهيل الافتراضي على مستوى المنطقة.
لذلك أصبحت الجامعة الافتراضية السورية اليوم، الجامعة السورية الأكثر اقتراباً من النموذج الحديث للجامعات والذي يُعرف بجامعات الجيل الرابع، وهي جامعات عصر المعرفة والمعلومة، وجامعات عالم (غوغل وفيسبوك ويوتيوب)، حيث لم يعد التعليم حشواً للدماغ، ولم يعد تقييمه قائماً على قياس المدخلات أي (إمكانات الطالب، وشهادة الأستاذ، والأبنية، والقاعات) وإنما على قياس (المخرجات)، فصار تعليماً مستقلاً في نموذجه الاقتصادي عن الشكل التقليدي للتمويل الحكومي أو الخاص للمؤسسة الجامعية، ومستقلاً في نموذجه الأكاديمي عن الزمان والمكان، معتمداً على الكتاب الإلكتروني، معولماً مفتوحاً على العالم من الناحية المعرفية، قائماً على أساس المعلومة المجانية التي تقدمها الجامعة وفق مبدأ المشاع المبدع.
ولأنها كانت منذ نشأتها حديثة متطورة ومختلفة وغير تقليدية، كان لا بد أن تواجه الكثير من المصاعب والتحديات وأن تواجه بالرفض وبالتحفظ من قبل كل فكرٍ تقليدي محافظ لا يمتلك الرؤيا الثاقبة التي كانت وراء إحداثها ونشأتها. لكن الأيام والتطورات التي حدثت في عالمنا خلال العقدين الأخيرين كانت كفيلةً بإقناع الكثيرين أن الرؤيا التي كانت وراء إحداث هذا الصرح الأكاديمي هي رؤيا استشرفت المستقبل فقدمت لسورية جامعةً عصريةً هي الأكثر تناغماً مع روح العصر الذي نعيشه ومع روح التعليم الجامعي الحديث.
إن مفتاح نجاحنا اليوم هو الثقة بقدراتنا وقدرات طلاب الجامعة الافتراضية السورية والثقة بإمكاناتهم وبتحصيلهم وبمهاراتهم ضمن هذه المنظومة الأكاديمية المميزة والمختلفة، فهؤلاء الطلاب هم المخزون البشري المعرفي الذي سيسمح لسورية الجديدة أن تعود إلى ألقها بعد سنوات الحرب العجاف، فهم أملنا ومستقبلنا. وبالرغم من الصعاب التي مازالت تعترض الجامعة بإدارتها وطلابها إلا أننا على ثقة بأن المستقبل للجامعة الافتراضية السورية ولطلابها وهذا ما سيثبته القادم من الأيام.
الدكتور المهندس خليل عجمي
رئيس الجامعة الافتراضية السورية
تشرين الثاني 2018
الرسالة الثانية
الافتراضية السورية ثقافة ... قبل أن تكون جامعة !
في محيطٍ لم يعتد على تقبل الحدود الدنيا من معايير الاعتمادية والجودة، رغم أنه يعيش في عصرٍ باتت معايير الجودة هي الرافعة والضامن للاستمرارية الصحيحة، لا يمكن أن تجد قبولاً لأي توثيقٍ رقمي مستمر يمكن أن يطال عملك سواء كان هذا العمل محاضرات أو امتحانات أو حسابات أو مناقشات أو غيرها، لأن مثل هذا التوثيق يصبح كاشفاً لكل العيوب والثغرات والعلل !
في محيطٍ لم يعتد استخدام التقانات الرقمية إلا في حدود التسلية والترفيه، رغم أنه يعيش في زمنٍ باتت "جينات" الأعمال والاقتصاد والعلم والتعليم هي "جيناتٌ" رقمية، لا يمكن أن تجد قبولاً أو اعترافاً جدياً بآليات عملٍ مهنيةٍ أو أكاديميةٍ تعتمد التقانات الرقمية !
في محيطٍ مازال تفكيره يتمحور حول (المعلومة) فقط، رغم أنه يعيش في عصرٍ رقميٍ مفتوحٍ لم تعد فيه المعلومة (المجانية بطبيعتها) مُهمةً إلا في سياق المعرفة التي تولدها عبر تكاملها مع معلوماتٍ أخرى، لا يمكن أن تجد قبولاً واعترافاً بمنطق العلم المفتوح، والمحتوى المفتوح، والمشاع المبدع لدى من يعتقدون أنهم بامتلاكهم "لمعلومةٍ ما" قد "شالوا الزير من البير" مع أنهم -هم أنفسهم- كانوا قد نسخوها من مكانٍ آخر !
في مثل هذا المحيط، لا بد أن تعاني الثقافة المختلفة التي تسعى لمكاملة المنطق الرقمي في جينات عملها، وتعمل وفق مفاهيم العلم المفتوح والمشاع المبدع، وتطمح لتبني منطق التعلُّم من أجل بناء المعرفة، لا بد أن تعاني من التهميش المقصود، والرفض المتكرر، والمنع المستميت !
ولهذه الأسباب مجتمعةً، لا يمكن النظر إلى الافتراضية السورية على أنها جامعةٌ حكوميةٌ فقط، وإلا لانتهت معاناتها منذ زمنٍ طويل، ولكانت قد اندرجت في سياق المحيط التعليمي السوري الجامعي وماقبل الجامعي بسلاسةٍ ويسرٍ ودون أي جدلٍ !
لكن هذه الجامعة تشكل ببنيتها، وآليات عملها، وطريقة مقاربتها لعملية التعلُّم، ثقافةً متكاملةً وجديدة لم يعتد الكثيرون عليها، رغم أنها لم تصل بعد إلى المستوى المنشود وتحتاج للكثير من العمل والجهد.
فهي ثقافةٌ قائمةٌ: أولاً، على التوثيق الرقمي الكامل لكل مفاصل العمل حتى يتسنى لمن يرغب مراجعته والتحقق من جدواه أو معالجة ثغراته وكشف عيوبه، وثانياً، على اعتماد منطق التعلم واكتساب المعرفة ومحاولة تلافي التلقين في زمنٍ باتت المعلومة موجودة على أطراف أصابعنا، وثالثاً، على تبني نهج اقتصادي مستقل نسبياً يعتمد الموارد الذاتية كوسيلة تمويلٍ وحيدةٍ ويقوم على تحصيلٍ ماديٍ مقبولٍ (وهذا أمر مهم لأنه يتسبب بالكثير من الحروب التي تشن على هذا النمط من التعليم داخل وخارج سورية من قبل الذين حولوا التعليم إلى تجارة)، وبما يسمح لمنظومة التعلم أن تستمر بعملها دون أن تشكل عبئاً على الدولة التي أطلقتها، ودون أن تشكل عبئاً على الطالب الذي يرغب بالمتابعة فيها.
المسار مازال طويلاً، ولكن الافتراضية السورية شكلت في سورية ومنذ حوالي العقدين، ثقافةً جديدةً بدأت تترسخ مع الوقت رغم كل المصاعب التي واجهتها في محيطها الضيق أو محيطها الأوسع، لكن هذا المسار الطويل هو مسارٌ صاعدٌ ويعمل على ترسيخ هذه الثقافة كثقافةٍ غالبةٍ تقولب التربية والتعليم في سورية بقالبها الجديد وإمكاناتها المتجددة، فنحن على ثقة بأن البعض قادرٌ على مقاومة التطور وعلى الاستبعاد والتهميش والمنع لبعض الوقت، لكن يستحيل عليه أن يقاوم هذا التطور والتقدم وأن يستمر في الاستبعاد والتهميش والمنع، كل الوقت !
الجامعة الافتراضية السورية
أيلول 2019